الرَّئيس الأمريكي (بوش) دخل البيت الأسوَد [الأبيَض] من باب المحافِظِين الجدد (اليَمين المسيحِي المتطرِّف)، وما لبِث أن كشف الغِطاء عن وجهِه المتعصِّب (الصِّهيَوصَلِيبِيِّ) بعد الحاديَ عشَرَ مِن سبتمبر، فقَبْلَ غزوِ أفغانستان أعلَن (بوش) أنَّه ملهَم مِن السَّماء ومكلَّف بشنِّ حرب "صليبيَّة" جديدة، وبالفعل شنَّت إدارة (بوش) حربًا صليبيَّة على العالم الإسلاميِّ متنوعة ما بَيْنَ الحرب العسكرية في أفغانستان والعراق والصومال، والحربِ السياسية والاقتِصاديَّة والمخابراتيَّة الأمنيَّة؛ حتَّى وَصَلَتِ الحَرْبُ الصَّليبيَّة إلى تدخُّل الإدارة الأمريكيَّة في مناهِجِ التَّعليم والخِطاب الدِّيني في بلاد المسلمين لتُغيِّرَهُما وفقَ ما تريد..
أمَّا فيما يخصُّ علاقة (بوش) باليهود الصَّهايِنَة خلال رِئاسَتِه الأولى والثانيَة فقد عمل على دعم اليهود المحتلِّين لفلسطين بكلِّ أنواع الدَّعم العسكري، والسياسي، والاقتصادي، والمخابراتي، وأعطاهم الضَّوء الأخضَر لتنفيذ مَجَازِرَ وحشيَّةٍ ضد الفلسطينيين العُزَّل، لم تتوقف منذ وصوله إلى البيت الأسود حتى الآن.
ثُمَّ كانت الحربُ على العِراق واحتلاله، بل وتَدميره من قِبَل إدارة (بوش) في مارس 2003م مِن ضِمن استراتيجيَّة تأمينِ وَضْعِ دولةِ الاحتلال الصِّهيَوني في المنطقة عبر القضاء على النظام العراقي الذي كان يُعد مصدر تَهديدٍ لَها.
ومع تشدُّق (بوش) ليلَ نَهارَ بالدِّيمقراطيَّة إلاَّ أنه عقِب وصول حركة حماس الإسلامية إلى الحكم في يناير 2006م، قام بِحشْد العالم لِرَفْضِها، وحصارها، وعدم التعاون معها، ووصفها وكل حركات المقاومة بالإرهاب، وقام بِمحاولة عمل انقلاب مسلَّح بواسطة بعض العملاء في فتح، ولكن بفضل الله أحبطَتْه حَماس وحُوصِرَتْ غزَّة عِقابًا لَها على تأييدِها لحماس.
وتتَّضِح أكثرَ نزعتُه الحاقدة المتطرِّفة وكراهيته للإسلام خلال أدائه ما يسمى صلاة "عيد الفصح" في 18 إبريل 2003م عندما أعلَن تأييده لضلال القس الأمريكي (فرانكلين غراهام) في قوله: "إنَّ الفَرْقَ بَيْنَ الإسلام والمسيحيَّة هو كالفرق بين الظلام والنور".
وكانتْ لبوش تصنيفات للعالم تَدوالَتْها وسائل الإعلام في العالم، تعبِّر عن عنصرية وتطرُّف شديد؛ إذ قال: "من ليس معنا فهو ضدنا"، وقسم مجتمعات العالم إلى متحضرة وغير متحضرة، وخيِّرة وشرِّيرة، وعليها أن تختار أن تكون ضِدَّه أو معه، وفي هذا الصدد يقول الكاتب الأمريكي (جاكسون ليزر): "إنَّ (بوش) يرى رئاسته جزءًا مِن خطة مقدسة، حتَّى إنَّه قال لصديق له عندما كان حاكمًا لولاية تكساس: إنَّ الله يريدني أن أترشَّح للرئاسة، وأوعز للولايات المتَّحدة أن تقودَ حَملة صليبيَّة تحريرية في الشرق الأوسط"، مشيرًا إلى أنَّ (بوش) يعتَقِدُ أنَّه يعمل بإرشاد إلهي وينفذ إرادة الله..
ومن هُنا نتوقف مع زيارته الأخيرة لدولة الاحتلال الإسرائيلي لمشاركتها الاحتفالَ بالذكرى الستِّين لاغتصاب واحتلال فلسطين؛ فقد حَملت زيارته كل تصريحات العداء المستفزَّة للمسلمين المنطلقة من كلمات تعبِّر عن عقيدة (صِهيَوصَلِيبِيَّةٍ)، فقد ألقى (بوش) خطابًا في الكنيست رآه الكثيرون في العالم بمنزلة إعلانِ حَربٍ على حماس وحركات المقاومة، لكنَّ الأخطر - والذي أثارَ ردودَ أفعال كثيرة في العالم كلِّه، حتى في داخل الكِيان المحتلِّ – هو بعض عبارات (بوش) الَّتي تعبِّر عن إيمانه بالصِّهيَونِيَّة؛ ففي خطابه الذي ألقاه في الكنيست محتفلاً ومنتشيًا بذكرى احتِلال فلسطين بدأ (بوش) بالكلام قائلاً باللغة العبريَّة: "يوم استقلال سعيد لإسرائيل"، فصفَّق الكنيست له، ثم تسارَعَت خطورة كلماته لتصل إلى قمة الصِّهيَونية في خطابه المثير؛ فقد قال: "تعالوا لنعلن الصِّهيَونية هي كلمَة الله، هناك وَعدٌ قديم قُدِّم لإبراهيم وموسى وداود أن تكون إسرائيل الشعبَ المُختار"، ثم قال في حين آخر باللغة العبرية: "مسعدَة لن تسقط ثانيَة"، في إشارة للقصَّة المزعومة (توراتيا) لبقاء اليهود برغم الانتحار الجماعي التي قاموا به في قلعة مسعدة على الضفة الغربية من البحر الميت حين حاصرهم الرومان، وبالفعل فقد ذهب (بوش) برغم الارتفاع الشديد في درجات الحرارة وزار قلعة مسعدة برفقة (أولمرت) بعد خطابه أمام الكنيست..
وقد ورد في الخطاب كلمات كثيرة تعبِّر عن تحالفه وتأييده لدولة الاحتلال الصِّهيَوني كان أبرزها أن لا تعتقد دولة الاحتلال إسرائيل أنَّ عدد سكانها سبعة ملايين بل هم 307 مليون، في إشارة إلى عدد سكان الولايات المتَّحدة مع عدد السكان المحتلِّين لفلسطين تضامنًا معهم.
وكان لافتًا للنظر عددُ مرات تصفيق أعضاء الكنيست لبوش؛ فقد بلغت 19 مرَّةً، ووقفوا له 4 مرات، وظلوا يصفقون وهم مذهولون لِما يقوله الرَّئيس الأمريكي الذي بَدَا صِهيَونيًّا أكثرَ مِن الكنيست نفسِه على حدِّ وصف بعض القادة في دولة الاحتلال؛ إذ قال عضو الكنيست عن حزب اللِّيكود ووزير الخارجيَّة السَّابق (سيلفان شالوم): "إنَّ خطاب (بوش) أمام الكنيست أثبَت أن (بوش) صِهيَوني أكثر من عددٍ من وزراء الحكومة الإسرائيليَّة".
وعلق زعيم (حزب المفدال) الديني المتطرِّف (زفولون أورليف) قائلاً: "إنه تأثَّر كثيرًا بخطاب (بوش)، وإن (بوش) كان يتحدَّث مثل أعضاء المفدال، وإن حبَّه غير المتناهي لإسرائيل أثار مشاعري"..
وقد أطلقَت صحيفة (يديعوت أحرونوت) الصِّهيَونية على (بوش) لقب "الصِّهيَوني الأخير"، في حين وصَفه عضو بالكنيست أنه "نبي إسرائيل" الجديد، وجاء تعليق التلفزيون الإسرائيلي: "أيّ زعيم أجنبي في العالم لم يدعم ولم يقف مع إسرائيل مثلمَا فعل (بوش) اليوم الخميس خلال خطابِه أمام الكنيسِت"؟!
وإذا كان خطاب (بوش) مستفزًّا للمسلمين فإنَّه كان لافتًا للصحافة الغربية؛ إذ جاء في صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكية، ضمن تقرير نشرته في 15 مايو عن محلِّلين قولهم: "إن خطاب (بوش) كان محملاً بتشبيهات دينية، راسمًا بذلك صورة روحية وأيديولوجية لعلاقة وثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بدت غير مسبوقة في أيِّ خطاب لأيِّ رئيس أمريكي"، وفي الصحف البريطانية، جاء تقرير تحت عنوان "بوش يشيد بالإسرائيليين كشعب الله المختار، ويتجاهل الفلسطينيين في يوم النكبَة"..
لكن كان أبرز تعليق إعلامي لافت في الولايات المتحدة الأمريكية في صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية؛ إذ وضعت النص الكامل لخطاب الرَّئيس الأمريكي جورج (بوش) في الكنيست "الإسرائيلي"، على موقِعها الإلكتروني، ضمن قسم "العقيدة"، فيما بدا اتِّساقًا مع ما وصفه المحلِّلون بامتلاء خطابه بالتشبيهات الدينيَّة.
ما قدمنا يكشف التطرف (الصِّهيَوصَلِيبِي) في كل تصرفات الرَّئيس الأمريكي (بوش) الابن؛ فقد نطقت كل تصرفاته قبل كلامه بإيمانه والتزامه الشديد بعقيدة حركة (الصِّهيَوصَلِيبيَّة) التي تتكون من اليمين الصليبي المتشدِّد والصِّهيَونيَّة المتطرِّفة.
ويرى كثير من المحلِّلين هذا التحالف (الصِّهيَوصلِيبِي) ناتجًا عن تطوُّرات متَّصلَة منذ زمَن بعيد، فالاعتقاد الزائف بحتمية ظهور دولة يهوديَّة في فلسطين كجزء من النبوءَة التوراتيَّة الزائفة لعودَة المسيح كما يقولون أمر يعود للقرن السادس الميلادي، بل إن أوَّل جهد أمريكي للدعوة لإنشاء دولة يهوديَّة لا ينسب إلى المنظمات اليهودية، بل للمُبَشِّر المسيحيِّ الأصولي (وليام بلاكستون)؛ إذ شن (بلاكستون) عام 1891م حَملةً سياسية للضَّغط على الرَّئيس الأمريكي حينئذ (بنيامين هاريسون) من أجْلِ دَعْمِ إنشاء دولة يهوديَّة بفلسطين، ومع أنَّها لم تسفِر عن شيء، إلا أن حملة (بلاكستون) تعد الظهورَ الأوَّل للصِّهيَونيَّة المسيحيَّة الأمريكيَّة.
وفى هذا المقام لا يفوتني الإشارة إلى تعليق مهمٍّ جدًّا منذ سنوات للكاتب الألماني (غِنتَر غِراس) في مقال له بصحيفة (نيويورك تايمز) في 8 إبريل 2003م، إذ قال: "الأصولية المسيحيَّة حرَّضت -بالتَّحالف مع الصِّهيَونية العالميَّة- على الحرب في فلسطين، وكانت وراء الحرب على العراق، هؤلاء الأصوليُّون يرَوْنَ أنْفُسهم مسيَّرين بقانون القوَّة المستمدّ من خارج التَّاريخ والإرادة البشريَّة، ولذلك استطاع (بوش) أن يتجاهل ما لا يتَّفق مع معتقداته، ويمضي في غيِّه في طريق الحرب ضدَّ مشيئة الأسرة الدوليَّة بِمعزل حتى عن حلفاء أمريكا التاريخيين، إن (بوش) أصولي يُقْحِم الله في الوقوف إلى جانبِهِ، وبِهذا كان خطرًا على بلاده ويسيء إلى صورتها"..
ويبقى عدة نقاط:
1- لقد ثبت أن تعبير الألماني (غنتر) كان صادقًا فيما يتعلق بسياسة (بوش) وخطابه ورؤيته العقديَّة في الأحداث؛ فقد أثبت أنَّه صِهيَوني أكثر مِن الصَّهايِنَة، بل فاق دعمه للصِّهيَونية دعم (هرتزل) مؤسس الصِّهيَونية، نَعَم، سببت سياستُه أخطارًا كبيرة على الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن لم تشوِّه صورتَها؛ فهذه هي صورة الولايات المتحدة الحقيقية، فسياسة رؤساء أمريكا السابقين والمرشَّحين للرئاسة المقبلين في تَحالُفِهم ودَعْمِهم للمحتلّ الصِّهيَوني لا تَخْتَلِفُ عن خِطاب (بوش) وسياستِه إلاَّ في الابتعاد عن الألفاظ والمصطلحات الدينية فقط..
2- اعتمد (بوش) على رؤية عقديَّة في سياسته وإدارته للبيت الأسود في الوقت الذي يتعمَّد كثيرٌ من حكَّام المسلمين الابتعاد عن أيِّ لفظ -وليس فعل- يَحمل مضمونًا عقديًّا في خطابِهم السياسيِّ؟!!
3- مع أنَّ الإدارة الأمريكيَّة تعلن ليلَ نهارَ إيمانها بحرِّيَّة الاعتقاد إلاَّ أنَّه كان فاضِحًا لكذبِها التدخُّلُ الأمريكي السافِر في التعليم الديني في بلاد المسلمين..
وأخيرًا، كلُّ كفَّار العالم يتحصَّنون زيفًا بعقائدِهم الباطلَة، كانوا صليبيّين، أو هندوس، أو بوذيِّين، أو يهودًا؛ فأولى بنا أبناء الإسلام اليومَ -حُكَّامًا ومحكومِينَ- أن نتحصَّن بعقيدة الإسلام، عقيدةِ التوحيد، والهداية، والنور، والرحمة، والعدل للعالمين..الرَّئيس الأمريكي (بوش) دخل البيت الأسوَد [الأبيَض] من باب المحافِظِين الجدد (اليَمين المسيحِي المتطرِّف)، وما لبِث أن كشف الغِطاء عن وجهِه المتعصِّب (الصِّهيَوصَلِيبِيِّ) بعد الحاديَ عشَرَ مِن سبتمبر، فقَبْلَ غزوِ أفغانستان أعلَن (بوش) أنَّه ملهَم مِن السَّماء ومكلَّف بشنِّ حرب "صليبيَّة" جديدة، وبالفعل شنَّت إدارة (بوش) حربًا صليبيَّة على العالم الإسلاميِّ متنوعة ما بَيْنَ الحرب العسكرية في أفغانستان والعراق والصومال، والحربِ السياسية والاقتِصاديَّة والمخابراتيَّة الأمنيَّة؛ حتَّى وَصَلَتِ الحَرْبُ الصَّليبيَّة إلى تدخُّل الإدارة الأمريكيَّة في مناهِجِ التَّعليم والخِطاب الدِّيني في بلاد المسلمين لتُغيِّرَهُما وفقَ ما تريد..
أمَّا فيما يخصُّ علاقة (بوش) باليهود الصَّهايِنَة خلال رِئاسَتِه الأولى والثانيَة فقد عمل على دعم اليهود المحتلِّين لفلسطين بكلِّ أنواع الدَّعم العسكري، والسياسي، والاقتصادي، والمخابراتي، وأعطاهم الضَّوء الأخضَر لتنفيذ مَجَازِرَ وحشيَّةٍ ضد الفلسطينيين العُزَّل، لم تتوقف منذ وصوله إلى البيت الأسود حتى الآن.
ثُمَّ كانت الحربُ على العِراق واحتلاله، بل وتَدميره من قِبَل إدارة (بوش) في مارس 2003م مِن ضِمن استراتيجيَّة تأمينِ وَضْعِ دولةِ الاحتلال الصِّهيَوني في المنطقة عبر القضاء على النظام العراقي الذي كان يُعد مصدر تَهديدٍ لَها.
ومع تشدُّق (بوش) ليلَ نَهارَ بالدِّيمقراطيَّة إلاَّ أنه عقِب وصول حركة حماس الإسلامية إلى الحكم في يناير 2006م، قام بِحشْد العالم لِرَفْضِها، وحصارها، وعدم التعاون معها، ووصفها وكل حركات المقاومة بالإرهاب، وقام بِمحاولة عمل انقلاب مسلَّح بواسطة بعض العملاء في فتح، ولكن بفضل الله أحبطَتْه حَماس وحُوصِرَتْ غزَّة عِقابًا لَها على تأييدِها لحماس.
وتتَّضِح أكثرَ نزعتُه الحاقدة المتطرِّفة وكراهيته للإسلام خلال أدائه ما يسمى صلاة "عيد الفصح" في 18 إبريل 2003م عندما أعلَن تأييده لضلال القس الأمريكي (فرانكلين غراهام) في قوله: "إنَّ الفَرْقَ بَيْنَ الإسلام والمسيحيَّة هو كالفرق بين الظلام والنور".
وكانتْ لبوش تصنيفات للعالم تَدوالَتْها وسائل الإعلام في العالم، تعبِّر عن عنصرية وتطرُّف شديد؛ إذ قال: "من ليس معنا فهو ضدنا"، وقسم مجتمعات العالم إلى متحضرة وغير متحضرة، وخيِّرة وشرِّيرة، وعليها أن تختار أن تكون ضِدَّه أو معه، وفي هذا الصدد يقول الكاتب الأمريكي (جاكسون ليزر): "إنَّ (بوش) يرى رئاسته جزءًا مِن خطة مقدسة، حتَّى إنَّه قال لصديق له عندما كان حاكمًا لولاية تكساس: إنَّ الله يريدني أن أترشَّح للرئاسة، وأوعز للولايات المتَّحدة أن تقودَ حَملة صليبيَّة تحريرية في الشرق الأوسط"، مشيرًا إلى أنَّ (بوش) يعتَقِدُ أنَّه يعمل بإرشاد إلهي وينفذ إرادة الله..
ومن هُنا نتوقف مع زيارته الأخيرة لدولة الاحتلال الإسرائيلي لمشاركتها الاحتفالَ بالذكرى الستِّين لاغتصاب واحتلال فلسطين؛ فقد حَملت زيارته كل تصريحات العداء المستفزَّة للمسلمين المنطلقة من كلمات تعبِّر عن عقيدة (صِهيَوصَلِيبِيَّةٍ)، فقد ألقى (بوش) خطابًا في الكنيست رآه الكثيرون في العالم بمنزلة إعلانِ حَربٍ على حماس وحركات المقاومة، لكنَّ الأخطر - والذي أثارَ ردودَ أفعال كثيرة في العالم كلِّه، حتى في داخل الكِيان المحتلِّ – هو بعض عبارات (بوش) الَّتي تعبِّر عن إيمانه بالصِّهيَونِيَّة؛ ففي خطابه الذي ألقاه في الكنيست محتفلاً ومنتشيًا بذكرى احتِلال فلسطين بدأ (بوش) بالكلام قائلاً باللغة العبريَّة: "يوم استقلال سعيد لإسرائيل"، فصفَّق الكنيست له، ثم تسارَعَت خطورة كلماته لتصل إلى قمة الصِّهيَونية في خطابه المثير؛ فقد قال: "تعالوا لنعلن الصِّهيَونية هي كلمَة الله، هناك وَعدٌ قديم قُدِّم لإبراهيم وموسى وداود أن تكون إسرائيل الشعبَ المُختار"، ثم قال في حين آخر باللغة العبرية: "مسعدَة لن تسقط ثانيَة"، في إشارة للقصَّة المزعومة (توراتيا) لبقاء اليهود برغم الانتحار الجماعي التي قاموا به في قلعة مسعدة على الضفة الغربية من البحر الميت حين حاصرهم الرومان، وبالفعل فقد ذهب (بوش) برغم الارتفاع الشديد في درجات الحرارة وزار قلعة مسعدة برفقة (أولمرت) بعد خطابه أمام الكنيست..
وقد ورد في الخطاب كلمات كثيرة تعبِّر عن تحالفه وتأييده لدولة الاحتلال الصِّهيَوني كان أبرزها أن لا تعتقد دولة الاحتلال إسرائيل أنَّ عدد سكانها سبعة ملايين بل هم 307 مليون، في إشارة إلى عدد سكان الولايات المتَّحدة مع عدد السكان المحتلِّين لفلسطين تضامنًا معهم.
وكان لافتًا للنظر عددُ مرات تصفيق أعضاء الكنيست لبوش؛ فقد بلغت 19 مرَّةً، ووقفوا له 4 مرات، وظلوا يصفقون وهم مذهولون لِما يقوله الرَّئيس الأمريكي الذي بَدَا صِهيَونيًّا أكثرَ مِن الكنيست نفسِه على حدِّ وصف بعض القادة في دولة الاحتلال؛ إذ قال عضو الكنيست عن حزب اللِّيكود ووزير الخارجيَّة السَّابق (سيلفان شالوم): "إنَّ خطاب (بوش) أمام الكنيست أثبَت أن (بوش) صِهيَوني أكثر من عددٍ من وزراء الحكومة الإسرائيليَّة".
وعلق زعيم (حزب المفدال) الديني المتطرِّف (زفولون أورليف) قائلاً: "إنه تأثَّر كثيرًا بخطاب (بوش)، وإن (بوش) كان يتحدَّث مثل أعضاء المفدال، وإن حبَّه غير المتناهي لإسرائيل أثار مشاعري"..
وقد أطلقَت صحيفة (يديعوت أحرونوت) الصِّهيَونية على (بوش) لقب "الصِّهيَوني الأخير"، في حين وصَفه عضو بالكنيست أنه "نبي إسرائيل" الجديد، وجاء تعليق التلفزيون الإسرائيلي: "أيّ زعيم أجنبي في العالم لم يدعم ولم يقف مع إسرائيل مثلمَا فعل (بوش) اليوم الخميس خلال خطابِه أمام الكنيسِت"؟!
وإذا كان خطاب (بوش) مستفزًّا للمسلمين فإنَّه كان لافتًا للصحافة الغربية؛ إذ جاء في صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكية، ضمن تقرير نشرته في 15 مايو عن محلِّلين قولهم: إن خطاب (بوش) "كان محملاً بتشبيهات دينية، راسمًا بذلك صورة روحية وأيديولوجية لعلاقة وثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بدت غير مسبوقة في أيِّ خطاب لأيِّ رئيس أمريكي"، وفي الصحف البريطانية، جاء تقرير تحت عنوان "بوش يشيد بالإسرائيليين كشعب الله المختار، ويتجاهل الفلسطينيين في يوم النكبَة"..
لكن كان أبرز تعليق إعلامي لافت في الولايات المتحدة الأمريكية في صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية؛ إذ وضعت النص الكامل لخطاب الرَّئيس الأمريكي جورج (بوش) في الكنيست "الإسرائيلي"، على موقِعها الإلكتروني، ضمن قسم "العقيدة"، فيما بدا اتِّساقًا مع ما وصفه المحلِّلون بامتلاء خطابه بالتشبيهات الدينيَّة.
ما قدمنا يكشف التطرف (الصِّهيَوصَلِيبِي) في كل تصرفات الرَّئيس الأمريكي (بوش) الابن؛ فقد نطقت كل تصرفاته قبل كلامه بإيمانه والتزامه الشديد بعقيدة حركة (الصِّهيَوصَلِيبيَّة) التي تتكون من اليمين الصليبي المتشدِّد والصِّهيَونيَّة المتطرِّفة.
ويرى كثير من المحلِّلين هذا التحالف (الصِّهيَوصلِيبِي) ناتجًا عن تطوُّرات متَّصلَة منذ زمَن بعيد، فالاعتقاد الزائف بحتمية ظهور دولة يهوديَّة في فلسطين كجزء من النبوءَة التوراتيَّة الزائفة لعودَة المسيح كما يقولون أمر يعود للقرن السادس الميلادي، بل إن أوَّل جهد أمريكي للدعوة لإنشاء دولة يهوديَّة لا ينسب إلى المنظمات اليهودية، بل للمُبَشِّر المسيحيِّ الأصولي (وليام بلاكستون)؛ إذ شن (بلاكستون) عام 1891م حَملةً سياسية للضَّغط على الرَّئيس الأمريكي حينئذ (بنيامين هاريسون) من أجْلِ دَعْمِ إنشاء دولة يهوديَّة بفلسطين، ومع أنَّها لم تسفِر عن شيء، إلا أن حملة (بلاكستون) تعد الظهورَ الأوَّل للصِّهيَونيَّة المسيحيَّة الأمريكيَّة.
وأخيرًا، كلُّ كفَّار العالم يتحصَّنون زيفًا بعقائدِهم الباطلَة، كانوا صليبيّين، أو هندوس، أو بوذيِّين، أو يهودًا؛ فأولى بنا أبناء الإسلام اليومَ -حُكَّامًا ومحكومِينَ- أن نتحصَّن بعقيدة الإسلام، عقيدةِ التوحيد، والهداية، والنور، والرحمة، والعدل للعالمين.